Ihab Al-Rawi- قصة مهاجر
هذه قصة حقيقية تسرد معاناة مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الذين غادروا ليبيا على متن قارب متهالك بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا. بدأت الرحلة بأحلام وطموحات، لكنها تحولت إلى مأساة إنسانية بعد غرق القارب في عرض البحر، مما أسفر عن فقدان العديد من الأرواح وبقاء القليل على قيد الحياة وسط معاناة استمرت لأيام، بين الجوع والعطش والخوف.
قص أحمد لمجموعة الإنقاذ الموحد حول ما حصل معه. فمن هو أحمد وما هي قصته ؟
أحمد أنس محمد درويش، شاب سوري الجنسية، يبلغ من العمر 21 عامًا، من مواليد 3 فبراير 2003 في مدينة دمشق. هرب من الحرب في وطنه سوريا في 20 يناير 2014 إلى المملكة الأردنية الهاشمية، حيث استقر في العاصمة عمّان.
أنهى أحمد مراحل دراسته الثانوية في الأردن، وبفضل الله نجح وتقدّم للالتحاق بجامعة الزيتونة الأردنية، حيث اختار تخصص اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية وآدابهما. ولكن نظرًا لصعوبة الظروف المعيشية وارتفاع تكاليف الحياة في الأردن، لم يتمكّن من متابعة دراسته الجامعية، خصوصًا أن والده كان يعيش في مخيم الأزرق، القرية الخامسة، وهو أحد المخيمات المخصصة للاجئين.
أمام هذه التحديات، قرر أحمد البحث عن طريق آخر لتحقيق طموحه وإكمال دراسته الجامعية، إلى جانب مساعدة أسرته التي تعاني من الفقر والظروف القاسية. اتخذ قرار الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر ليبيا، رغم المخاطر التي ترافق هذا الخيار.
قبل تنفيذ خطته، قام أحمد بتأجيل دراسته الجامعية وبدأ بالعمل لمدة عامين تقريبًا، حيث تمكّن من ادخار مبلغ مالي، بالإضافة إلى اقتراض مبلغ آخر من أصدقائه. وفي 20 يونيو 2023، سافر إلى ليبيا ليبدأ رحلته التي يأمل أن تحقق أحلامه في مستقبل أفضل له ولعائلته.
خلال وجوده في ليبيا، تعرف على مجموعة من الأصدقاء السوريين كانوا يخططون للهجرة غير الشرعية. قررن تشكيل مجموعة واحدة للسفر معًا، وكان أحد الشباب السوريين في المجموعة مسؤولًا عن التنسيق مع المهربين لتنظيم الرحلة.
في مساء 18 أغسطس 2024، أخبرنا هذا الشاب بأن موعد الرحلة قد حان، وطلب منا تجهيز أنفسنا. انتقل إلى الفندق الذي كان أصدقائه يقيمون فيه، وفي تلك الليلة، وصلت سيارات المهربين لنقلهم إلى نقطة الانطلاق.
عند وصولنا إلى الموقع، وجد مجموعة من المهربين كانوا قد جهزوا القارب بكل ما يلزم؛ قاموا بنفخه وتزويده بالطعام، الماء، الوقود، وجهاز الثريا (GPS). بعد ذلك، بدأوا تحميل الركاب.
كنان أول من صعد على القارب، يقول نحن المجموعة السورية المكونة من 11 شخصًا. ولكن، سرعان ما تدافع عدد كبير من الناس بشكل عشوائي نحو القارب. نتيجة لهذا التدافع، قرر السائق، وهو شاب من الجنسية التشادية، التحرك بسرعة كبيرة. أثناء انطلاقه المفاجئ، اصطدم القارب بالصخور، مما أدى إلى انفجاره.
وجدنا أنفسنا في المياه، وسرعان ما بدأنا السباحة باتجاه الشاطئ. لحسن الحظ، نجحنا في الوصول. بعدها، أعادنا المهربون إلى الفندق باستخدام سياراتهم، وأخبرونا بعدم القلق، مؤكدين أنهم يجهزون قاربًا جديدًا في وقت قصير.
الكابوس المستمر: رحلة الموت نحو النجاة
بعد يومين من حادثة القارب الأول، قررنا عدم السفر مرة أخرى، لكن المهربين أجبرونا على القبول. كانت أموالنا بحوزتهم، ونبرة تهديدهم واضحة. لم يكن أمامنا خيار سوى السكوت والموافقة.
في تاريخ 28/8/2024، أخبرونا بأنهم جهزوا قاربًا جديدًا. في حوالي الساعة 11 مساءً، نقلونا إلى نقطة الانطلاق. عند وصولنا، أجلسونا في مكان مظلم على الشاطئ، حيث كان هناك خمسة أشخاص مسلحين. أخذوا منا هواتفنا وأغلقوها، كما أخذوا حقائبنا ورموها بعيدًا. انتظرنا حوالي خمس ساعات حتى انتهوا من تجهيز القارب.
بعد ذلك، اقتادونا إلى القارب تحت تهديد السلاح والشتم. صعدنا بسرعة، وكان السائق هذه المرة مصري الجنسية يُدعى مؤمن. خلال أول عشر دقائق من الرحلة، أخرج سكينًا وأمرنا بالجلوس بصمت تام، مهددًا ومكثرًا من الشتائم والإساءات للذات الإلهية.
كان على متن القارب 32 راكبًا، ولم يقم السائق بتوزيعهم بشكل صحيح. كل ساعتين، كان يوقف المحرك ليشتم الركاب ويهددهم بتركهم في عرض البحر. مع حلول الصباح، اكتشفنا أن القارب بدأ يمتلئ بالماء. اضطررنا للنزول إلى البحر وتحديد مصدر التسريب، ووجدنا ثقبًا في أسفل القارب. بقيت فتاة سورية والسائق وشاب سوري على متن القارب، وقام الشاب بإصلاح الثقب باستخدام مواد لاصقة، واستغرقت العملية حوالي ساعتين.
بعد الإصلاح، واصلنا المسير نحو اليونان. لكن بعد أربع ساعات، بدأ الماء يتسرب مجددًا. نزلنا مرة أخرى لتحديد موقع التسريب، ووجدنا أن الثقب قد انفتح مرة أخرى. قام الشاب السوري بإصلاحه للمرة الثانية، بينما بقينا نحن في الماء للحفاظ على توازن القارب.
عندما حل الظلام، تحدثنا مع الشاب السوري الذي كان يحمل جهاز الثريا (GPS) لتحديد موقعنا. أخبرنا أننا تجاوزنا مسافة 160 كيلومترًا عن شواطئ ليبيا. طالبناه بالاستغاثة، فاتصل بفتاة تدعى نوال. طلبت منه إرسال الإحداثيات وأخبرتنا بضرورة التقدم 40 كيلومترًا إضافية ليتم إنقاذنا من قبل خفر السواحل اليوناني. حذرتنا أن عدم التقدم قد يؤدي إلى تدخل خفر السواحل الليبي، الذي سيعيدنا إلى ليبيا.
قررنا التقدم بحذر بسبب وضع القارب المتهالك. اتفقنا على تقليل السرعة، بحيث يتم قطع المسافة المتبقية خلال 8 ساعات بدلًا من 4، لضمان سلامتنا. كانت نوال تتواصل معنا كل نصف ساعة عبر رقم الثريا (آخره 212) للاطمئنان.
لكن السائق ومعاونه، بحجة تخفيف الوزن، بدأوا برمي الأمتعة، بما في ذلك الطعام، الأدوية، والماء، في البحر. عندما اعترضنا، رفع السكين مهددًا برمي من يتحدث إلى البحر أو إحداث ثقب في القارب. اضطررنا للصمت خوفًا من تهديداته.
استمرار المأساة:
بعد رمي الأمتعة وتشغيل المحرك، كان السائق يقود القارب بتهور. ازداد القلق بين الركاب، خاصة أن القارب بدأ يميل بشكل خطير، والمياه تتسرب من جديد.
لم تنته الكارثة بعد، ومع كل لحظة، كانت الرحلة تتجه نحو مصير مجهول…
النهاية المأساوية لرحلة الموت
استمر السائق بقيادة المركب بسرعة عالية وتهور، رغم محاولاتنا إقناعه بأن المركب لا يحتمل هذا الأسلوب من القيادة. فجأة، ضربتنا موجة عالية قلبت القارب رأسًا على عقب. فقدنا كل ما يمكن أن يساعدنا على النجاة، مثل جهاز الثريا وGPS والكشافات والفيلر المضيء. وجدنا أنفسنا وسط المياه بلا طعام أو شراب أو أي وسيلة للتواصل مع العالم الخارجي.
اجتمعنا حول أجزاء القارب المتبقية، مستعينين بالعوامات للبقاء طافين، واستمررنا على هذا الوضع لمدة خمسة أيام.
اليوم الثالث في البحر
في مساء اليوم الثالث، اشتدت برودة الجو، وفي الصباح، عانينا من شمس حارقة وحرارة شديدة. بدأ التعب يظهر على الركاب، وحذرنا الجميع من شرب مياه البحر. ومع ذلك، كان معنا شاب يبلغ من العمر 13 عامًا، يُدعى عمر، يتيم الأب ويعاني من مرض في الكلى. بحلول الليل، أصيب بحالة هستيرية وشرب من مياه البحر، وفقدناه في الليلة نفسها.
اليوم الرابع والخامس
مع صباح اليوم الرابع، تفاقمت الأوضاع. أصيب معظم الركاب بحالة هستيرية جماعية. قام اثنان من الركاب بمحاولة السباحة بعيدًا على أمل العثور على النجاة، لكنهم لم يعودوا. بعدهم، قرر ثلاثة آخرون السباحة بحجة الوصول إلى جزيرة لشراء الطعام، وكان هذا مجرد وهم ناتج عن الهلوسة. في اليوم الخامس، سحبت تيارات البحر العالية خمسة من الركاب بعيدًا عن المجموعة، واختفوا.
بدأ الركاب الباقون يتناقصون؛ البعض فارق الحياة بسبب الجوع والعطش، والبعض الآخر بسبب شرب كميات كبيرة من مياه البحر.
اليوم السابع
تبقينا تسعة ركاب فقط من أصل 32 شخصًا. في منتصف اليوم السابع، رأينا سفينة تجارية كبيرة تبعد عنا حوالي 300 متر. أرسلنا شخصين للسباحة نحوها، لكنها أبحرت بسرعة ولم تساعدنا. حاولنا الصراخ والتلويح، لكن القبطان وعدنا عبر مكبر الصوت بأنه سيطلب إنقاذنا وغادر المكان.
قبل حلول المساء، وصلت سفينة إنقاذ تابعة لخفر السواحل الليبي من مدينة طبرق. أنقذونا وقدموا لنا الإسعافات الأولية، ثم بقينا معهم في عرض البحر يومًا ونصف وهم يبحثون عن الناجين الآخرين. أثناء البحث، عثرنا على جثة أحد الركاب، وهو شاب سوري.
الوصول إلى طبرق
دخلنا ميناء طبرق، حيث كان بانتظارنا الهلال الأحمر الليبي وعربات الإسعاف. نقلونا إلى المركز الطبي لتلقي العلاج. بعض الحالات استدعت البقاء في المستشفى، لكن معظمنا خرج في نفس اليوم.
الاحتجاز والتحقيق
بعد الخروج من المستشفى، نُقلنا إلى مركز احتجاز للتحقيق معنا. بقينا هناك لمدة 62 يومًا. خلال الأيام الأولى، عانينا من سوء الأوضاع الصحية، وتم القبض على اثنين من المهربين واحتجازهم معنا. حاول المهربون تهديدنا كي لا ندلي بشهادتنا ضدهم.
بعد عدة أيام، ألقي القبض على ثلاثة مهربين آخرين، وواصلوا تهديدنا. ورغم كل ذلك، وبعد 50 يومًا من الاحتجاز، تم عرضنا على النيابة العامة، لكن قبل التحقيق، تم الإفراج عن اثنين من المهربين بسبب علاقاتهم مع شخصيات نافذة.
نقلنا إلى السجن العام
نُقلنا إلى السجن العام حيث تعرضنا للضرب والشتائم. نمنا في العراء بجوار مكب قمامة مليء بالحشرات والديدان. بقينا هناك ثلاثة أيام، مختلطين مع المجرمين والمحكومين بالمؤبد وتجار المخدرات.
العودة إلى البحث الجنائي
بعد ثلاثة أيام، أُعيدنا إلى البحث الجنائي، وكانت فرحتنا بهذا الإجراء أكبر من فرحتنا عندما تم إنقاذنا من البحر. طلبنا إدخال محامٍ للدفاع عنا، لكن طُلب منا عدم إدخال المحامين. علمنا لاحقًا أن القضية تدخل فيها أشخاص نافذون قاموا بتبرئة المتورطين الحقيقيين، ما أدى إلى مقتل 23 شخصًا من الجنسية السورية والمصرية.
الإفراج
بعد أسبوع من الاحتجاز، أخبرونا أننا سنعرض على النيابة العامة، وحصلنا على الإفراج. خرجنا أخيرًا، لكن بمجرد خروجنا، علمنا أن المهربين يخططون للوصول إلينا، ولا نعلم ما الذي ينتظرنا الآن.
هذه ليست فقط قصة غرق في البحر، بل أيضًا شهادة على الظلم والمعاناة التي يعيشها المهاجرون الذين يبحثون عن الأمل في ظروف قاسية.
تروي هذه القصة المأساوية رحلة غير شرعية عبر البحر الأبيض المتوسط بدأت بأحلام الهجرة وانتهت بكارثة إنسانية أليمة. كان الهدف من الرحلة هو الوصول إلى أوروبا بحثًا عن حياة أفضل، لكن المأساة تمثلت في تعطل المركب وغرقه، مما تسبب بفقدان عدد كبير من الأرواح وسط المعاناة والعزلة في عرض البحر.
عدد الركاب الأصلي: 32 شخصًا، ينتمون إلى الجنسيات السورية والمصرية.
عدد الناجين: 9 أشخاص فقط، بينما توفي البعض وفُقد آخرون في المياه.
هذه القائمة توضح أسماء الناجين، المتوفين، والمفقودين الذين كانوا جزءًا من هذه الرحلة المأساوية:
قائمة الناجين:
1. أحمد أنس درويش / سوري / ناجي
2. محمد فهد بشير / سوري / ناجي
3. أبانوب يوحنا / مصري / ناجي
4. هلال السيد البربري / مصري / ناجي
5. أحمد محمد عمر / مصري / ناجي
6. عمر راضي / مصري / ناجي
7. طارق عبد النبي / مصري / ناجي
8. محمد السيد شافعي / مصري / ناجي
9. بهاء عياد سالم / مصري / ناجي
قائمة المتوفين:
10. نور الهدى الدريس / سورية / توفيت
11. أحمد إدريس / سوري / توفي
12. أحمد بكداش / سوري / توفي
13. أويس زيتون / سوري / توفي
قائمة المفقودين:
14. محمد إدريس / سوري / مفقود
15. عدنان المصري / سوري / مفقود
16. عبيدة الأحمر / سوري / مفقود
17. عمر / سوري / مفقود
18. حمادة مفتاح / مصري / مفقود
19. إسلام / مصري / مفقود
20. مؤمن / مصري / مفقود
21. أبو العربي / مصري / مفقود
22. إبراهيم / مصري / مفقود
23. علي / مصري / مفقود
24. محمد صبري / مصري / مفقود
25. عنتر / مصري / مفقود
26. محمد / مصري / مفقود
27. عفيفي (ابن محمد) / مصري / مفقود
28. محمد أحمد عبد الله / مصري / مفقود
29. خالد / مصري / مفقود
30. عاطف عاطف / مصري / مفقود
31. محمود الجازوي / مصري / مفقود
32. طارق / سوري / مفقود
بعد سبعة أيام من المعاناة في البحر، وبين فقدان الأحبة والأصدقاء، والآلام التي لا تُنسى، تمكن الناجون أخيرًا من الوصول إلى بر الأمان. هذه التجربة القاسية، التي عايشها هؤلاء الأشخاص، تظل شاهدة على معاناة العديد من المهاجرين الذين يغامرون بحياتهم بحثًا عن أمل في غدٍ أفضل. ورغم مرورهم بتلك اللحظات المظلمة، يبقى الأمل في قلوبهم، وأرواحهم لا تزال تشع بالحياة رغم كل شيء. قصة هؤلاء الناجين تذكرنا بأن الهجرة ليست مجرد رحلة، بل هي صراع مستمر من أجل البقاء.