معاناة ما بعد غرق قارب بيلوس.في خضم الحرب السورية المدمرة التي شردت الملايين، خرجت آلاف القصص المليئة بالألم والمعاناة. من بين هذه القصص، تبرز حكاية أمل، لاجئة سورية في لبنان، تحمل على عاتقها مسؤولية أطفالها الثلاثة بعد فقدان زوجها في رحلة هجرة محفوفة بالمخاطر. قصتها ليست فريدة، لكنها تكشف عن وجع عميق تعيشه أم فقدت الأمان والحماية في عالم ينهشه الحروب والقسوة. بين صعوبة الحياة، وضياع الأحلام، وأمل يكاد ينطفئ، تقف أمل تحارب من أجل البقاء، مستنجدة بالعالم وبالله، لعلها تجد مخرجًا من دوامة الألم.
هكذا بدأت أمل، وهي لاجئة سورية في لبنان، سرد قصتها المؤلمة، وهي قصة واحدة من آلاف القصص التي تشترك في مأساة الحرب والنزوح، لكن كل منها يحمل وجعًا خاصًا. أمل ليست حالة فريدة، لكنها تعيش تفاصيل مأساة لا تشبه غيرها، كأم سورية تحاول النجاة مع أطفالها الثلاثة في بلد مضطرب لا يرحم.
أمل، وهو اسم مستعار اختارته لعلها تجد من خلاله بصيصًا من الأمل، لجأت إلى لبنان مع بداية الحرب السورية، حيث فقدت أسرتها واستنزفت قواها. هناك، التقت بزوجها، الذي فقد معظم أفراد عائلته في سوريا، فتزوجا وأنجبا ثلاثة أطفال. إلا أن الفقر، والظروف الصحية الصعبة لأطفالها، والمعاملة القاسية في لبنان دفعت زوجها إلى اتخاذ قرار بالهجرة إلى أوروبا بحثًا عن فرصة للنجاة.
عام 2022، غادر الزوج إلى ليبيا، ومن هناك كان ينتظر ركوب قارب الموت إلى أوروبا، على أمل أن يؤمّن لعائلته حياة كريمة بعيدًا عن المعاناة. مكث في مخيمات انتظار الهجرة تسعة أشهر، حيث عاش ظروفًا قاسية. وفي محاولته الأولى، تم اعتقاله ودفع 3000 دولار للإفراج عنه. كانا يخططان لأحلام وردية تجمعهم من جديد في حياة أفضل.
لكن في الثامن من يونيو 2023، تغير كل شيء. كان الزوج يستعد لركوب “قارب بيلوس”، وكان الأمل يملأ قلبه بأنه سيصل إلى إيطاليا ليبدأ حياة جديدة. حلق لحيته، وارتدى ملابسه بحذر، كأنه يستعد لأجمل لقاء. لكن هذه الرحلة كانت الأخيرة. غادر القارب في مساء ذلك اليوم، ولم تكن أمل تعلم أن هذه اللحظة ستكون الوداع الأخير.
أمل تتذكر تلك الليلة جيدًا. تقول: “تواصلت مع المهرب وأخبرني أن القارب وصل إلى إيطاليا، كان شعورًا لا يوصف. نظرت إلى أطفالي والفرحة ملأت قلبي. كنت أترقب اتصاله، وفي نفس الوقت عجّت الأخبار عن حادثة غرق مروعة قرب اليونان”. بدأت أمل تشعر بالقلق، فاتصلت بالمهرب مرة أخرى، وإذا به يصدمها: “القارب غرق ولا نعرف مصير زوجك”.
منذ ذلك الحين، بدأت رحلة أمل مع الحزن والألم، حيث لم تجد أي معلومات تؤكد ما إذا كان زوجها حيًا أو ميتًا. تقول: “كل ما أريده هو معرفة مصيره. حتى الكذب كنت أحاول تصديقه، فقط لأرتاح وأعرف أين هو زوجي”. مضت الأيام والشهور، ومر عام كامل دون أن يصل أي خبر عن زوجها، في حين زادت المعاناة وتفاقمت المسؤوليات على كاهلها كأم وحيدة.
اليوم، تعيش أمل تحت القصف في لبنان مع أطفالها الثلاثة. تقول: “منذ الهجوم الأخير على لبنان، ازداد الوضع سوءًا.
لا أعرف إلى أين أذهب أو كيف أحمي أطفالي. كل ليلة أنام وأنا أحضنهم، والخوف من الصواريخ والجوع يقتلني. لا أمل، لا أحلام، لا شيء يبعث على الاطمئنان”.
تختم أمل قصتها بصوت مخنوق بالبكاء، وتقول: “أحيانًا أفكر في أن أترك أطفالي لمن يستطيع أن يعتني بهم. لكن الأمل الوحيد الذي أتمسك به هو الله. هو فقط من يعرف نهاية هذه المأساة”.
غالبية الذين فقدوا أزواجهم في حادثة غرق قارب بيلوس يعيشون حياةً صعبة للغاية. وقد اطلعت مجموعة الإنقاذ الموحد على العديد من القصص المأساوية المتعلقة بهذا القارب، الذي كان بمثابة بصيص أمل للمئات من العائلات الباحثة عن فرصة جديدة وحياة كريمة. بالنسبة للكثيرين، كان قارب بيلوس يمثل الحلم بالوصول إلى بر الأمان والبدء من جديد، لكن مع غرقه، غرقت آمالهم وأحلامهم أيضًا.
اليوم، يعيش هؤلاء الأشخاص في معاناة متواصلة، يناضلون وحدهم في ظل غياب أي دعم حقيقي أو اهتمام من المجتمع الدولي أو الجهات المعنية. تُركوا لمواجهة مصاعب الحياة القاسية بعد فقدان أحبائهم، حيث لا يجدون من يمد لهم يد العون، ويضطرون لتحمل المسؤوليات الثقيلة بمفردهم.
تختتم أمل قصتها بحسرة ودموع، وقد أثقلتها الحياة بمزيد من الخسارات. بين فقدان الزوج وصراعها اليومي في تربية أطفالها وسط حرب لا ترحم، تجد نفسها عالقة بين ماضٍ موجع ومستقبل مجهول. رغم كل الألم، لا تزال أمل تتشبث بخيط رفيع من الأمل، تؤمن بأن الله وحده قادر على تغيير مصيرها. ربما لم تعد تحلم بالكثير لنفسها، لكن كل ما تريده الآن هو الأمان لأطفالها ومستقبل يليق بهم. قصتها هي قصة آلاف الأمهات اللواتي يعشن في ظلال الحروب، لكنها تظل تذكيرًا بأن حتى في أحلك الظروف، يبقى الأمل ملاذًا أخيرًا لمن لا يملكون شيئًا آخر.