في خضم رحلة هروب يائسة من الموت إلى حياة أفضل، يجد شاب سوري نفسه وسط كابوس لا ينتهي. بدأ كل شيء بمحاولة عبور البحر، حيث تعرض هو ومجموعة من المهاجرين للخداع من قبل مهربين لا يعرفون الرحمة.القارب الذي كان من المفترض أن يكون وسيلة النجاة تحول إلى فخ قاتل، مما أدى إلى غرق العديد من الركاب، بينما نجا القليل فقط بمعجزة. ومع أن نجاته من الغرق كانت معجزة بحد ذاتها، إلا أن المصير كان أكثر قسوة، حيث تعرض للخطف والابتزاز في ليبيا، ليعيش فصولاً أخرى من الألم والخوف. في هذه القصة، يروي لنا هذا الشاب كيف تحولت رحلته للبحث عن الأمان إلى سلسلة من الكوارث والخيبات التي لا تنسى.
حادثة الغرق حصلت يوم السبت 21/09/2024، حوالي الساعة العاشرة مساءً قبالة سواحل القربوللي الليبية. كان القارب يحمل أكثر من 90 مهاجرًا، ووفقًا لأحد الناجين، نجا حوالي 30 شخصًا، فيما غرق البقية.
في مقابلة خاصة مع مجموعةالإنقاذالموحد، تحدث أحد الناجين من هذه الحادثة عن قصته وقال:
أنا الشاب السوري الذي تعرض للغرق في القارب. القصة بدأت عندما قيل لنا إن قاربنا من الفايبر وبسعة محدودة، وكل تجهيزات السلامة موجودة فيه، يعني أخذنا بكل الأسباب. لكن، أخذوا منا سترات النجاة أو الأطواق ولم يوفروا لنا شيئًا، مما يعني أن السلامة كانت معدومة تمامًا ولم يكن هناك أي أخذ بالأسباب.
عندما تجمّعنا، لم نكن نعرف تفاصيل الرحلة، وفجأة أخبرونا. حملنا أمتعتنا وصعدنا، وعندما وصلت وجدت أكثر من 200 شخص، فتفاجأت، ظننت أنه ربما هناك ثلاثة أو أربعة قوارب، لأن من المستحيل أن يسع قارب أو اثنان هذا العدد. سألت الناس حولي، وكل شخص كان لديه مندوب، حيث كانت الرحلة مشتركة بين أكثر من أربعة أو خمسة مندوبين. المهم، القوارب كانت أمامنا في الماء، وركبوا عليها المحركات أمام أعيننا، ثم رشّوا عليها بخاخ دهان أسود ووضعوا عليها إشارات. استغربنا من ذلك.
نزّلوا القوارب باستخدام السيارات، وكان من المفترض أن يجربوا القوارب قبل بيوم أو يومين، وأن يعطوا تعليمات للكابتن أو يجربوه ليعرفوا إن كان يمكنه القيادة أم لا. حتى الكابتن لم يكن لديه خبرة، فقد أعطوه التعليمات فقط قبل الرحلة بساعات قليلة. هذا الأمر جعلنا نشعر بالتوتر والخوف، لكن لم يكن بإمكاننا فعل شيء أو الانسحاب، لأنه لم يكن واضحًا ماذا سيحدث إذا حاول أحدنا التحرك أو الاعتراض.
في البداية، ركب 88 راكبًا على القارب الأول، وانطلق حوالي الساعة 11 أو 11:30، ولم يكن معنا هواتف لأنهم كانوا يأخذونها منا إذا رأوها. ركبنا نحن، وكان عددنا حوالي 98 شخصًا، بينهم ثلاث نساء وثلاثة أطفال. معظم الركاب كانوا سوريين وبعضهم باكستانيون، وكان هناك فلسطينيون ومصريون، لكن 80% من الركاب كانوا سوريين.
القارب كان مثل الخزان، حيث هناك جزء فوق وآخر تحت. خفت من الركوب في الأسفل لأن هناك كان يوجد ألف لتر من البنزين، مما جعل المكان خانقًا. فتم وضع 50 إلى 55 راكبًا في الأسفل. حاولت البقاء فوق لتجنب الاختناق، وتمكنت من ذلك.
بدأنا الرحلة، وسرنا حوالي خمسة كيلومترات قبل أن يدخل الماء إلى القارب. اشتكينا للمهرب، لكنه لم يهتم. قطعنا مسافة حوالي 30 أو 35 كيلومترًا، ثم بدأت المياه تتجمع في القارب بكميات كبيرة، ولم يعد القارب قادرًا على السير. عاد الكابتن وأطفأ المحركات، وبقينا في عرض البحر. الناس خافت وبدأت تتحرك بكثرة، مما زاد من خطر انقلاب القارب.
حاولنا التخلص من البنزين لتخفيف وزن القارب، وصار الأمواج تضربنا من كل الجهات. طلبنا من شخص اسمه “حيدر” أن يطلب النجدة، لكنه كان يتظاهر بالاتصال بالخفر، بينما كان يتواصل مع المهرب. جاء المهرب بقارب صغير وأخذ معه “حيدر” وجهاز الثريا والجي بي إس والكابتن، تاركًا إيانا نواجه مصيرنا.
بدأ القارب ينزل أكثر في المياه، وبدأت الجثث تطفو حولنا. كانت الجثث تظهر في غضون ساعة من انقلاب القارب، ومات جميع من كانوا في الطابق السفلي. نجا عدد قليل جدًا من الركاب في الطابق العلوي. من أصل 98 شخصًا، تمكنت من عد حوالي 30 ناجيًا.
بعد ساعات من الصدمة وفقدان الأمل، تذكرت أن هاتفي كان في جيبي. أخرجته، ووجدته لا يزال يعمل. حاولت التواصل مع فرق الإنقاذ وأعطيتهم إحداثيات موقعنا، وفي غضون ساعة أو ساعتين، جاء خفر السواحل الليبي وأنقذنا. أخذونا إلى سجن الزاوية، حيث تم احتجازنا في ظروف سيئة للغاية، بلا طعام أو ماء، وكان علينا الشرب من الحمامات.
في النهاية، تم بيعنا من قبل السجانين في سجن بئر الغنم إلى مهرب آخر، وطلبوا فدية قدرها 2350 دولار لتحريرنا.
طلب الشاب السوري أن لا نقوم بنشر الصوت، وقال لأنني لا زلت في ليبيا وأخشى أن يؤذيني أحد بسبب ما قلته أو أن يعرفني أحد من صوتي. أرجو منكم كتابة ما حدث. إذا رغبتم في نشره أو القيام بأي شيء، اكتبوه كتابة. وإذا كنتم تستطيعون مساعدتنا، لأن عددنا من الناجين هو 27 شخصًا، كان معنا طفلان وامرأة تركوهم، ونحن لا نعرف أين هم. نحن موجودون في طرابلس حاليا ، ولا نعرف أين نذهب أو كيف نتصرف، لأن الأموال التي كانت معنا قد نفدت، وللأسف، لقد تعرضنا لعملية احتيال، وفوق ذلك دفعنا أموالًا في السجن.
وأود أن أضيف للمعلومات أنه كان هناك شخصان كفيفان لم يكونا يرَيان أبدًا، والحمد لله أنهم نجوا معنا، وعلينا أن نعتني بهم. الشخصان موجودان في بئر الغنم، وكلاهما كفيف، ومعهما خالهم. خالهم يقول لهما: “إبويزن، هذا كل ما أعرفه عنهم”. وكان هناك شاب اسمه عبد الله وآخر اسمه خالد، هذان الشابان كانا معي أثناء خطفي. كانا من حماة، أحدهما يبلغ من العمر 17 عامًا والآخر 20 عامًا، أظن أن اسم الأول هو خالد الزعبي، أما الثاني فهو عبد الله، لكنني لا أعرف الكنية بالضبط. إذا كان أحد من أهلهما لديه صور لهما، فأنا أعرفهم.
كان هناك شاب معنا من أصل عراقي، يسكن في حي الخالدية بحمص. اسمه يوسف العسكري، هذا الشاب أهله لا يعرفون شيئًا عنه، وليس لديه أي رقم للتواصل مع أهله نهائيًا. أيضًا، هذا الشاب موجود في بئر الغنم، وكان مع الناجين من حادث الغرق الذي كنت فيه. اسمه يوسف العسكري، وهو شاب قصير ولونه أسمر. كانت حالته صعبة جدًا، لأنه كان بدون ملابس، وقد قمنا بتأمين ملابس له، كيفما كان لبسناه، وهو الآن في بئر الغنم
تمثل قصة هذا الشاب رحلة أليمة تبرز التحديات والصعوبات التي يواجهها الكثيرون في سعيهم نحو النجاة. ورغم المعاناة التي عاشها، إلا أن الأمل لا يزال ينبض في قلوب الناجين. إذ يجب أن تُسلط الأضواء على قصصهم، لتكون صوتًا لمن لا صوت لهم، ولفتة إنسانية تدعو للتعاطف والعمل من أجل تحسين ظروف الحياة لمن يمرون بتجارب مماثلة. إن هذه الحادثة ليست مجرد قصة فردية، بل هي دعوة للتفكير في معاناة اللاجئين والمهاجرين، وبحث سبل إنقاذهم وتقديم الدعم لهم في الأوقات الصعب